vendredi 22 juin 2012

مبادرة رئيس الحكومة السابق... هل هي ثورة مضادة؟

قام رئيس الحكومة التونسية السابق الباجي قائد السبسي بمبادرة سياسية سماها نداء تونس وعقد من أجلها اجتماعاً جماهيرياً حاشداً بقصر المؤتمرات بالعاصمة بينت مدى قدرة هذا "الداهية السياسية" الطاعن في السن الذي ينتمي إلى الحرس القديم والذي امتهن السياسة منذ العهد الملكي في سنوات شبابه الأولى، على التعبئة وحشد الجماهير بفعل ما يتمتع به من حنكة سياسية وكاريزما ورثها عن العهد البورقيبي الذي شغل فيه حقائب سيادية على غرار الخارجية والدفاع والداخلية. وقد مثلت مبادرة قائد السبسي الحدث الأبرز على الساحة التونسية خلال الأسبوع الماضي فقد ملأت الدنيا وشغلت الناس واختلفت الآراء بشأنها بين مرحب ومتحفظ ومتهجم.

ولعل اللافت في هذه المبادرة هو الخلطة العجيبة التي جمعت مختلف العائلات الفكرية والسياسية المتواجدة على الساحة التونسية. ففيها الدساترة (الذين حكموا تونس أكثر من نصف قرن سواء مع بورقيبة أو بن علي) والمنتمون إلى التيار اليساري ومحسوبون على العائلة الليبرالية وكذا المستقلون الذين لم يعرف لهم انتماء إيديولوجي في السابق.

الرغبة في الجمع

أنصار هذه المبادرة برروا هذا التنوع الفكري والايديولوجي بالرغبة في جمع أكبر قدر ممكن من التونسيين تحت مظلتها باعتبار أن الجامع بين مختلف هذه التيارات هو حب تونس والحرص على مصالحها العليا عبر تقديم البديل للشعب التونسي عن الترويكا الحاكمة في حال رام التغيير. فالديمقراطية ـ بحسب ـ رأيهم لا تبنى بحزب واحد يهيمن بمفرده على الحياة السياسية ويحتكرها على مدى عقود كما حصل في السابق مع حزب الدستور ما أدى في النهاية إلى الاستبداد، بل لا بد من مشهد تعددي يتم فيه التداول السلمي على السلطة ويكون الشعب فيه هو الفيصل عبر صناديق الاقتراع. فالوضع الراهن الذي تغلبت فيه "النهضة" على حليفيها "المؤتمر" و"التكتل" وهيمنت فيه على المشهد السياسي لا يساعد على البناء الديمقراطي في ظل غياب المنافس القوي الذي يتداول سلميا على السلطة مع الحركة. لذلك فإن قائد السبسي ـ بحسب هؤلاء ـ يقدم بمبادرته هذا البديل القوي القادر على المنافسة الذي سيضم تكتل عدة أحزاب ديمقراطية إن كتب له النجاح وخاصة أن عدداً كبيراً من المحللين يؤكدون بأن السياسي البورقيبي المخضرم هو الوحيد على الساحة، إذا استثنينا حركة النهضة التي توظف الدين في عملية الاستقطاب، القادر على الجمع وجلب الجماهير بفعل نجاحة في إدارة المرحلة الانتقالية السابقة التي شهدت تنظيم انتخابات حرة ونزيهة ودهاءً في التعامل مع الأزمة الليبية واستتبابا للأمن بعد مرحلة من الانفلات.

لكن محللين يشككون في قدرة هذا التحالف على الصمود نظرا للبون الشاسع بين مختلف الأطياف الفكرية المكونة للمبادرة في المواقف من مختلف القضايا. فالانفتاح الاقتصادي على سبيل المثال والتداين من المؤسسات المالية الدولية وخصخصة القطاع العام هي مسائل يمكن أن ينفرط بها عقد هذا "التحالف" في يوم ما نظرا لاختلاف الرؤى حولها بين الليبراليين و"جماعة" اليسار، اللهم إلا إذا قدمت هذه التيارات بعضا من التنازلات للتموقع في الوسط. وللوصول إلى هذه النتيجة لا بد من عمل كبير قد يمتد لسنوات ولا يعتقد أن الفترة الزمنية القصيرة التي تفصل تونس عن الانتخابات القادمة - التي بات البعض يشكك أصلا في إمكانية حصولها بفعل مماطلة الفريق الحاكم في إقرار القانون الانتخابي الجديد وكتابة الدستور، وبعد حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أشرفت على الانتخابات السابقة والتي شهد العالم بنزاهتها ـ كافية لتقريب وجهات النظر عند الوصول إلى مناقشة القضايا الجوهرية بين مختلف مكونات المبادرة.

ثورة مضادة


أنصار الترويكا الحاكمة وصلوا إلى حد اعتبار مبادرة قائد السبسي ثورة مضادة باعتبار انتماء صاحب المبادرة إلى العائلة الدستورية وتقلده مناصب رفيعة في صلب التجمع الدستوري الديمقراطي، وباعتبار انتماء عديد التجمعيين والدساترة إلى المبادرة. كما أن تحركات قائد السبسي في الفترة الأخيرة وسفراته المتكررة ولقاءاته بشخصيات عالمية من "الوزن الثقيل" وربما الثقيل جدا على غرار الأمير الوليد بن طلال ورئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلسكوني، بعضهم أصدقاء أو "حلفاء" للترويكا على غرار أمير قطر، قد أثارت بعض الشك والريبة وتلقفها أنصار نظرية المؤامرة من الموالين للترويكا للتأكيد على أن السبسي بصدد التآمر على بلاده لقيادة ثورة مضادة وللانقلاب على الفريق الحاكم صاحب الشرعية الذي فوض له الشعب مهمة تحقيق أهداف الثورة خلال انتخابات 23 أكتوبر.

وهو ما يفسر مسارعة من بقي مواليا للرئيس المرزوقي في كتلة المؤتمر السابقة داخل المجلس الوطني التأسيسي وكذا نواب حركة النهضة إلى سن القانون الذي يقصي التجمعيين (نسبة إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم السابق) عن ممارسة الحياة السياسية وليس فقط عن الترشح للانتخابات على غرار ما حصل قبيل إقتراع يوم 23 أكتوبر الماضي المتعلق باختيار أعضاء المجلس الوطني التأسيسي. وهو ما يفسر أيضا ردّ الفعل العنيف لرئيس المجلس الوطني التأسيسي السيد مصطفى بن جعفر، مما جاء في مبادرة رئيس الحكومة السابق الذي وضع شرعية الترويكا والمجلس الوطني التأسيسي على المحك بعد 23 أكتوبر القادم أي بعد سنة من انتخابه.


لكن مراقبين وكثيرا من السياسيين يخالفون الترويكا وأنصارها فيما ذهبوا إليه. معتبرين المبادرة إضافة للمشهد السياسي التونسي وكسراً لهيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية. ويعتبر هؤلاء أن قائد السبسي هو الوحيد القادر في الوقت الراهن على منافسة حركة النهضة في ظل تشتت القوى الديمقراطية. وما الحدة المبالغ فيها من المنتمين إلى حركة النهضة والهجومات القاسية التي يشنها أنصارها على شبكات التواصل الاجتماعي على قائد السبسي ومن يدور في فلكه إلا دليل على الشعور بالخوف من منافسة الرجل خلال الانتخابات القادمة بحسب هؤلاء.

العدالة الانتقالية

ويصر أنصار المبادرة والمنتمون إليها ومنهم الأزهر العكرمي على أنه لا علاقة لمبادرتهم بالتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، وحجتهم في ذلك عدم وجود أي تجمعي في الهيئة التأسيسية للمبادرة. كما أن وجود معارضين سابقين لنظام بن علي سواء داخل المبادرة أو من بين منتمين إلى أحزاب عبرت عن إمكانية التحالف أو التكتل أو الاندماج معها يبعد ـ بحسب البعض ـ شبهة إعادة إحياء حزب التجمع المنحل عن مبادرة قائد السبسي كما يبعد عنها شبهة الثورة المضادة التي وصمها البعض بها.

ويتهم هؤلاء الترويكا بعدم احترام حق الاختلاف إذ من حق قائد السبسي ـ بحسب رأيهم ـ كمواطن تونسي أن يبادر سياسيا، فالمبادرة ليست جرما لتلقى رد الفعل العنيف الذي لقيته، والجهة الوحيدة المخولة لعقاب رئيس الحكومة السابق إن أخطأ هي القضاء والشعب التونسي من خلال صناديق الاقتراع بعدم التصويت له إن رأى في مبادرته ثورة مضادة. ويؤكد البعض أن ما سيجعل التجمعيين يلتفون بالفعل حول قائد السبسي باعتباره أملهم الأخير في العودة إلى الحياة السياسية هو قانون إقصائهم الذي من المتوقع صدوره قريبا من المجلس الوطني التأسيسي. فالتجمعيون قاعدة انتخابية ضخمة يمكن أن يستفيد منها صاحب مبادرة "نداء تونس" بغباء الترويكا في حال صدر هذا القانون اللهم إلا إذا وقع منعهم حتى من حق التصويت بمقتضى هذا القانون.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حيال الوضع الراهن في البلاد هو ذلك المتعلق بمسار العدالة الانتقالية التي خصصت لها الحكومة وزارة واعتمادات ضخمة. فمتى ينطلق هذا المسار وتتم محاسبة المذنبين الحقيقيين من قبل الجهات المختصة حتى لا تلقى التهم جزافا بحق هذا الطرف أو ذاك، حتى يميز المرء الخبيث من الطيب، ونبتعد نهائيا عن سياسة العقاب الجماعي التي يستغلها البعض لأغراض سياسوية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire